التحدي الأصعب أمام الخريجين – ما هو؟ وكيف تجتازه؟

بكره اكمل تعليمي الجامعي وابني حياتي " بيت, عائلة, شركة ,عمل خاص... الخ"...

هكذا يعتقد الكثير من الطلاب أنّ بتخرجهم من الجامعة ستفتح لهم أبواب الحياة الزاهية على مصراعيها، مع ذلك الاعتقاد والشعور بالسعادة العارمة الممزوجة بالحماس والاندفاع نحو المستقبل. بالطبع يعدّ التخرج إنجازاً كبيراً وحدثاً فارقاً في حياة كل طالب جامعي، لكن ما يصحبه في بعض الأحيان من مرحلة الانتقالات والتغييرات المرهقة، سواء بالتنقّل عبر البلاد بحثاً للحصول على فرصة عمل، أو تجربة العيش بمفردك لأوّل مرة، والبعد عن الأهل والأصدقاء سيكون بمثابة تحدٍّ كبير ومغامرة متعبة وشيقة وقد يتسبب كل هذا بما يعرف بـ “اكتئاب ما بعد التخرج”.

على مدار أوّل عشرين عاماً من حياتك، قد عمل أبواك على تخطيط وتجهيز كلّ شيءٍ لك بدءاً من المدرسة وصولاً إلى الجامعة، ولكن ماذا عن الآن؟ بالنسبة لشابٍ مثلك في بداية مشوار حياته العملية بعد تخرجك من الجامعة يتعيّن عليك أن تتعامل فيها مع تحدّيات الحياة وضغوطات الواقع الحتمية التي باتت اليوم تحت رهن ورحمة اقتصادٍ متعثّر بين صعودٍ وهبوط وأجورٍ لم تعد ترقى لتواكب أدنى تكاليف المعيشة.

أعراض اكتئاب بعد مرحلة التخرج

في غمار البحث عن فرصة وظيفية وعمل رسمي مع بداية رحلة المسؤولية يمكن يمكن أن تتداخل بعض أعراض الاكتئاب مع الشعور الطبيعي بالحزن والقلق استجابةً للتغيرات الكبيرة في الحياة، فإنّ هذه الأعراض تميل إلى أن تكون أكثر حدّةً وقد تستمرّ لفترةٍ أطول بكثير.

الاكتئاب مرضٌ عقليٌّ خطير يتطلّب علاجاً متخصّصاً، لدرء تأثيره السلبيّ على العمل والعلاقات الشخصيّة والحياة. حيث يمكن تصنيف الاكتئاب على مقياس تتراوح درجاته بين خفيفٍ ومتوّسط ​​وشديد.

حسب الجمعية الأمريكيّة للقلق والاكتئاب قد تظهر الأعراض الشائعة على النحو التّالي:

  • الشّعور بانعدام القيمة
  • الإحساس المفرط بالذنب.
  • الانسحاب الاجتماعي.
  • السلوك المتهوّر.
  • التعب المزمن.
  • اضطرابات النوم والشهية.
  • الغضب والانفعال السريع.
  • أعراض جسديّة كالصداع وعدم الارتياح البطني.
  • الحزن المتواصل.
  • عدم التركيز.
  • أفكار انتحاريّة.

أسباب اكتئاب ما بعد التخرج

كغيرها من الأسباب قد تختلف أسباب اكتئاب ما بعد التخرج من شخصٍ إلى آخر، إلاّ أنّ هناك بعض الأسباب الشائعة للشعور بالكآبة بمجرّد إنهائك لسنوات الدراسة الجامعيّة والدخول إلى معترك الحياة الحقيقية , منها مايلي:

العناء في الحصول فرصة عمل مناسبة

ما تزال واحدةً من أشد العقبات التي تقف عائقاً أمام المستقبل المهنيّ للخرّيجين الجدد، هي العثور على وظيفةٍ واعدة في مجال اختيارك وتخصّصك الجامعي، سيكون ذلك رحلةً في مسيرة الكفاح والنضال المستمرّ، في حين أنّ البعض قد يحالفهم الحظّ للحصول على وظيفة أحلامهم على الفور، فإنّ العديد من الشباب ستكون بانتظارهم المعاناة وسيعانون الأمرّين ليحصلوا على فرصةٍ واحدة وبشقّ الأنفس، وقد لا ترقى حتى لأحلامهم وأهدافهم الموعودة.

السبب وراء تلك المعاناة يتمثّل بالقضايا والأزمات الاقتصاديّة المحليّة والعالميّة وصولاً إلى التخصّصات التي لم تعد تخدم سوق العمل المتطوّر، وبغض النظر عن الأسباب الشخصيّة والأزمات المحليّة، هناك اليوم أسباب أكبر تواجه العديد من الطلاب والخرّيجين الجدد أثناء البحث عن عمل مثل:

المنافسة العالية

مع تلك الأعداد الهائلة من الطلاب في الجامعات وشحة الفرص المتوفرة بسوق العمل، أصبحت المنافسة على الوظائف بعد التخرج أكثر شراسةً من أيّ وقتٍ مضى. فقد تواجه بعض الصناعات والمجالات المهنية منافسةً وظيفيّة أكثر من غيرها، لذلك سيصبح من الصعب على الخرّيجين التميّز في سوق العمل حتّى مع تحصيل الدرجات والمعدّلات الأعلى.

قلة الخبرة

كثيرٌ من الطلبة يحصرون تفكيرهم ضمن فكرة أنّ العمل مرتبطٌ بالتخرج، وانه ليس من الضروريّ الانخراط بأيّ عملٍ مهما كان خلال مرحلة السنين الجامعيّة، ليصطدم الطالب بعد تخرّجه باشتراط العديد من الوظائف الشاغرة وجود مستوى لائقٍ من الخبرة، أو قد تُطلب في بعض الأحيان مهاراتٌ معيّنة كان بالإمكان التمكّن منها خلال السنين الفائتة، بقليلٍ من الدورات التدريبيّة والتعليميّة التي تثري سيرتك الذاتيّة وتدعم فرصك بنيل عملٍ يخدم مجالك ويلبّي طموحك، كي لا تقع في فخّ صعوبة التغلّب على هذا المطلب كأقرانك الآخرين.

التكيف مع الحياة العملية

في بعض الحالات يمكن أن يشكّل الانتقال إلى العمل بدوامٍ كامل في بيئةٍ جديدة أزمةً حقيقيّة أمام الخرّيجين الذين تمكّنوا من الحصول على وظيفة جيّدة في مجال تخصّصهم، فقد يكون من الصعب والمربك أن يأخذ العمل الجديد الكثير من وقتك عندما لا تكون معتاداً عليه.

لذا فإنّ عملية الانتقال من جدولٍ ذاتيّ التوجيه مكوّنٍ من الدروس والواجبات المنزليّة والدراسة الأكاديميّة إلى نظامٍ صارم مقيّد وبيئة مكتبيّة مسألةٌ صعبة، خاصّة بالنسبة لأولئك الذين يسير نهج حياتهم من منطلق المرونة والحرّية.

تحمل المسؤولية

كونك ما زلت طالباً جامعيّاً فأنت تعيش في فقّاعةٍ مريحة، مصيرها التبدّد أدراج الرياح بعد التخرج. شعور التجربة الأولى التي سيخوضها أغلب الطلاب عند التعامل مع مجموعةٍ متنوّعة من مسؤوليات الكبار، من طهي العشاء كلّ ليلة إلى دفع الفواتير في الوقت المحدّد، إلى غياب شبكة الأمان العائلي من الآباء أو الأصدقاء والمحيط الاجتماعيّ الذي اعتدت عليه، سيمثّل ذلك تحدّياً ومغامرةً لا خيار لك أمامها إلاّ بالمضي قدماً ومجابهة مصاعبها وإرهاصاتها.

عدم الاستقرار المالي

يواجه جيلنا اليوم مناخاً اقتصادياً غائماً، تلوح آفاقه مع الأجور التي لم تعد تواكب تكاليف المعيشة، وسط الديون والقروض التعليمية والمعيشية الواقعة على كاهل الطلبة حتّى بعد تخرّجهم، كما أنّ آفاق ملكية المنازل ومدخرات التقاعد تبدو قاتمةً ومحبطة على المدى البعيد.

بات الوصول إلى معالم الحياة الأساسيّة كالاستقرار والزواج والأطفال في دائرة الأحلام البعيدة التي ربّما تطالها في وقتٍ متأخّر من حياتك. إذاً سينعكس عدم الاستقرار الماليّ على كلّ جوانب حياتك القادمة ورغم اعتباره مؤشّراً هامّاً على الإصابة بالاكتئاب في أيّ فئةٍ عمريّة ولكنه يمثّل تحدّياً بشكلٍ خاصّ عندما يكون مسار حياتك العمليّة قد بدأ لِتوّه.

كيف أتعامل مع هذه المرحلة وأجتازها؟

لابد أن تعرف أنّك لست الوحيد الذي تمرّ في هذه المرحلة، هناك العديد من الخرّيجين الآخرين يشاركونك نفس المشاعر والأحاسيس والضغوطات. حسناً لم يكن بحسبانك أن تصل إلى هذا القدر من الخيبة والإحباط، وهذا أمرٌ مفهومٌ للغاية، عليك ألاّ تشعر بالذنب حياله بل اسمح لنفسك بالحزن ثمّ ضع خطّةً لما هو قادم، وركّز على نفسك، ما الذي تريد تحقيقه؟ كيف ستخطو في المرّة القادمة إلى الفرصة التالية؟

تلطف بنفسك وتجنب دائرة المقارنات السلبية

أن تُهلك طاقتك وتهدم نفسك بحسد إنجازات الآخرين بعد التخرج بالدخول في لعبة المقارنات، سيلقي بك في دوّامة الأفكار التشاؤمية ليوصلك إلى قاع الإنهاك والدخول في طور الاكتئاب. لذلك تدارك نفسك فكل ما تحتاج إليه في هذه المرحلة أن تكون لطيفاً مع نفسك محدداً ما تريد القيام به، وكيف يمكنك ذلك. لذا حدّد أهدافك القابلة للإنجاز وحاول أن تحرز تقدّماً يوماً بعد يوم. تذكّر أنّ بعض الأشياء خارجةٌ عن إرادتك، والمطلوب منك التركيز على الأشياء التي يمكنك التحكمّ فيها.

بإمكانك التواصل مع شخصٍ سواءً أكان استشاريّاً أو فرداً من عائلتك أو صديقاً مقرّباً، لمناقشة ما تشعر به أو لإرشادك وتوجيهك خلال عمليّة التقدم بطلب الحصول على وظيفة.

طور مهاراتك 

تعرّف على اهم المهارات المطلوبة في سوق العمل والتي أنت بحاجة إلى إدخالها في سيرتك الذاتية للوصول إلى مقابلات العمل. فبدل أن تتألّم وتستسلم جرّاء رفض طلبك، حاول عندما يتم رفضك أن تناقش اللجنة وتبحث في أسباب الرفض، لتتعرّف على ما كان يمكن أن تفعله بشكلٍ مختلف، واحرص على استخدام هذه المعلومات في المرّة القادمة.

كن اجتماعياً وجيداً في بناء العلاقات

صنع الكثير من الطلاب أصدقاءً مدى الحياة خلال فترة وجودهم في الجامعة ذلك الأمر سيهوّن عليك كثيراً خلال رحلة حياتك القادمة. الآن بعد أن غادرت الجامعة، من المهمّ ألاّ تعزل نفسك عن محيطك، احرص دائماً على قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء والمحافظة على روابط التّواصل مع مجموعة الدعم الخاصّة بك. على الرغم من اختلاف جداول العمل والانشغالات المتلاحقة لكن بالتأكّيد سيجد الجميع متّسعاً من الوقت لقضاء بعض المتعة والتسلية.

أفضل نصيحةٍ يمكنني تقديمها لك هي أن تتحلّى بالصبر، أعلم أنّها كلمات مبتذلة ومكرّرة على مسامعك آلاف المرات، لكنّهت حقيقة لا غنىً لك عنها. املأ وقتك بالهوايات التي تحبّها وحاول أن تكون منتجةً نوعاً ما، يتوّجب عليك استغلال هذا الوقت الوفير بإدراك وفهم شغفك وصقل مهاراتك من جميع النواحي.

هذه سنّة الحياة المستمرّة، فإذا تمكّنت من اجتياز سنواتٍ من الاختبارات والامتحانات والضغوطات المتعاقبة، فلا يوجد شيء لا يمكنك فعله، وتذكّر تلك الجموع الغفيرة من الخرّيجين الذين مرّوا بنفس أزمتك وأحسنوا التجاوز والنجاح، فإذا كان بإمكانهم فعل ذلك، فأنت بإمكانك أيضاً.

 

تنمية بشرية

اخر تدوينات